التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الأول
23- إثبات صفة الكلام لله تعالى
[وقوله: رسم> وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا قرآن> رسم> [النساء: 87]. آية> رسم> وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا قرآن> رسم> [النساء: 122]. آية> رسم> وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قرآن> رسم> [المائدة: 116]. آية> رسم> وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا قرآن> رسم> [الأنعام: 115]. آية> رسم> وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا قرآن> رسم> [النساء: 164]. آية> رسم> مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ قرآن> رسم> [البقرة: 253]. آية> رسم> وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قرآن> رسم> [الأعراف: 143]. آية> رسم> وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا قرآن> رسم> [مريم: 152]. آية> رسم> وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ قرآن> رسم> [الشعراء: 10]. آية> رسم> وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ قرآن> رسم> [الأعراف: 22]. آية> رسم> وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ قرآن> رسم> [القصص: 65]. آية> ]
عقيدة أهل السنة أن الله تعالى متكلم ويتكلم إذا شاء، وأن كلام الله قديم النوع حادث الآحاد، واستدلوا بالعقل والنقل، فأما العقل فإن كل ذي عقل مفطور على أن من يتكلم أكمل ممن لا يتكلم، وأن فقد الكلام نقص وعيب، ويدل على ذلك أن الله عاب معبودات المشركين بأنها ناقصة لأجل ذلك، فذكر في عجل بني إسرائيل الذي عبدوه بعد موسى اسم> نقصه بنفي الكلام عنه، فقال تعالى: رسم> أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا قرآن> رسم> [الأعراف: 148]. آية> فدل على أنه ناقص لكونه لا يكلمهم، فيدل أن المعبود الحق، وهو الله ليس كذلك، بل موصوف بأنه يتكلم.
ولما حطم إبراهيم اسم> الخليل آلهة قومه عابها بأنها لا تتكلم، فقال: رسم> بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ قرآن> رسم> [الأنبياء: 63]. آية> فاعترفوا بقولهم: رسم> لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ قرآن> رسم> [الأنبياء65]. آية> ولما خاطب الآلهة قال لها مستهزئا: رسم> مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ قرآن> رسم> [الصافات:92]. آية> قال تعالى: رسم> فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ قرآن> رسم> [الصافات: 91]. آية> فلما لم يستجيبوا له، قال: رسم> مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ قرآن> رسم> [الصافات: 92 ، 93]. آية>
فالحاصل أن من نقص ما يعبد من دون الله أنه لا يتكلم؛ أنه مسلوب هذا الوصف، فدل على أن صفة الكلام صفة كمال؛ ولهذا كلف الله من يتكلم، فالجن والإنس والملائكة والشياطين مكلفون، وعليهم الأوامر والنواهي والحساب والعقاب والعذاب والثواب؛ لأنهم يتكلمون وينطقون ويعقلون، ولم يكن هذا التكليف على الدواب ولا على بهيمة الأنعام، وكذلك الحشرات والصيود البرية وما أشبهها، لما كانت بهيمية لا تتكلم، لم يكن عليها تكليف لأنها ناقصة، فدل على أن صفة الكلام صفة كمال، هذا من حيث العقل.
أما من حيث النقل، فعندنا الآيات، وعندنا الأحاديث -كما سيأتينا بعض منها بعد هذا الفصل- وهي قد دلت على صفة الكلام بعدة دلالات:
الدلالة الأولى: بصفة الحديث:
فمعلوم أن الكلام يسمى حديثا، تقول: حدثت فلانا يعني: كلمته، وتحدثت مع فلان، وفلان وفلان يتحدثان، والقوم يتحدثون يعني: يتكلمون، فالكلام حديث، وسمي حديثا لأنه يحدث شيئا فشيئا، يعني: يتجدد، تحدث الكلمات حرفا بعد حرف، وكلمة بعد كلمة، فهذا سبب تسميته حديثا، والله تعالى قال: رسم> فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ قرآن> رسم> [القلم: 44]. آية> يعني: بهذا القرآن؛ لأنه كلام، وقال تعالى في الآية التي في سورة النساء: رسم> وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا قرآن> رسم> [النساء:87]. آية> والحديث هو الكلام، أي: من أصدق من الله كلاما، فهذا دليل واضح وهو إثبات الحديث، وهو من أسماء الكلام.
الدلالة الثانية: إثبات القول والقيل:
والقول: صريح في النطق، قال بمعنى نطق، فالقول لا تعرفه العرب إلا للكلام، وإن كانوا قد يطلقونه على الأفعال، ولكنهم يريدون بذلك الحكاية؛ كأن يقولوا: قال بيده هكذا، ولا بد في ذلك من الإشارة، فالقول هو النطق، وهو الكلام.
وقد دل عليه القرآن في عشرات المواضع أو مئات المواضع كثيرا ما يقول: (قال الله) أو (والله يقول) وما أشبه ذلك، كقوله تعالى: رسم> إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ قرآن> رسم> [المائدة: 110]. آية> وكقوله تعالى: رسم> وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ قرآن> رسم> [المائدة: 116]. آية> رسم> قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ قرآن> رسم> [المائدة: 115]. آية> رسم> قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ قرآن> رسم> [المائدة: 119]. آية> رسم> وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ قرآن> رسم> [الأحزاب: 4]. آية> وأشباه ذلك كثير.
وكذلك جاء بالمصدر في هذه الآية التي سبقت، وهي قوله تعالى: رسم> وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا قرآن> رسم> [النساء: 122]. آية> يعني: قولا، يعني: لا أحد أصدق من الله مقالا، فالقيل والقول بمعنى الكلام الصريح، فدل على أن الله موصوف بأنه يتكلم رأس> ويقول كما أثبت ذلك لنفسه.
والدلالة الثالثة: دلالة التسمية:
تسميته كلاما، أو تسمية ما جاء عنه كلاما، والأدلة عليه كثيرة، والعرب لا تعرف الكلام إلا للنطق، يقولون: هذا كلام فلان، يعني: ما تكلم به وما تلفظ به، وقد استعمل ذلك في نظمهم ونثرهم، وكذلك استعمله النبي -صلى الله عليه وسلم- في أحاديثه، ومنه قوله عليه السلام: رسم> أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد متن_ح> رسم> فسماها كلمة مع أنها نطق.
فكذلك قوله في كثير من الآيات، كما في سورة الأنعام: رسم> وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ قرآن> رسم> [الأنعام: 115]. آية> قرأها بعضهم: وتمت كلماتُ ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته ومعنى تمت أي: ثبتت وحقت، فلا تبدل ولا تغير، فلا مغير لأمر الله وقضائه وقدره، كما وردت مثل هذه الآية في آخر سورة هود، في قوله تعالى: رسم> وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ قرآن> رسم> [هود: 119]. آية> وفي سورة السجدة: رسم> وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ قرآن> رسم> [السجدة: 13]. آية> فدل على أن كلمة اسم للكلام، يعني: وجب وحق وثبت كلام الله الذي تكلم به، وهو إشارة بأنه سيحق الحق ويبطل الباطل، وأنه سيعذب هؤلاء، وينعم هؤلاء، فلا مغير لما قاله ولا مبدل لكلمات الله.
ومن الأدلة أيضا على إثبات الكلام: تكليمه تعالى لبعض عباده، وقد أثبت ذلك لموسى اسم> في عدة آيات منها، قوله في سورة النساء: رسم> وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا قرآن> رسم> [النساء: 164]. آية> أكده بالمصدر، وهو قوله رسم> تكليما قرآن> رسم> .
روي أن بعض المعتزلة جاء لأبي عمرو القاري اسم> وقال: أحب أن تقرأها بنصب الله أن تقرأها (وكلم اللهَ موسى تكليما) ، أراد هذا المعتزلي أن يكون موسى اسم> هو المكلم لا الله، فقال له أبو عمرو اسم> هب أني قرأتها كذلك، فكيف تصنع بقول الله تعالى -يعني: في سورة الأعراف- رسم> وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قرآن> رسم> [الأعراف: 143]. آية> فسُقط في يدي ذلك المعتزلي، حيث إن الآية التي قالها لا تحتمل التأويل: رسم> وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قرآن> رسم> فقدم الضمير الذي يعود إلى موسى اسم> وأكد أن الذي كلمه هو ربه، فالكلام هو النطق، يعني: سمع كلام الله كما يسمع كلام غيره إلا أن كلامه لا يشبه كلام غيره من المخلوقات.
كذلك أيضا أثبت الله لموسى اسم> أنه كلمه في قوله: رسم> وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا قرآن> رسم> وكذلك قوله: رسم> مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ قرآن> رسم> ولكن المعتزلة الذين أنكروا صفة الكلام لم يجدوا بدا من التأويلات البعيدة، فجعلوا التكليم هنا بمعنى التجريح لأن الكلم: الجرح، فيرد عليهم بأن الله أثبته وسماه كلاما، في قوله تعالى: رسم> إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي قرآن> رسم> [الأعراف: 144]. آية> هذا لا يستطيعون تأويله، حيث أثبته لنفسه، فقال: كلامي كذلك قوله: رسم> وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ قرآن> رسم> [الشورى: 51]. آية> وقد كلم الله موسى اسم> من وراء حجاب، وأثبت أنه يكلم من وراء حجاب.
الدلالة الرابعة: النداء:
فالنداء لا تعرفه العرب إلا بالكلام، وقد أثبته الله في آيات كثيرة، كقوله تعالى: رسم> وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ قرآن> رسم> [القصص:74]. آية> وهناك آيات في النداء غير هذه الآية؛ كقوله تعالى: رسم> وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا قرآن> رسم> [مريم: 52]. آية> فآيات المناداة صريحة في إثبات صفة الكلام، وأنه ناداه بكلام سمعه لما ناداه، وهو على الطور، سمع كلام الله كما يشاء الله تعالى.
الدلالة الخامسة: المناجاة:
والمناجاة: هي الكلام الذي يكون بين اثنين لا يسمعه غيرهما، ففي هذه الآية إثباتها في قوله: رسم> وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا قرآن> رسم> يعني: مناجيا، فالنجوى: الكلام بين اثنين لقوله تعالى: رسم> يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى قرآن> رسم> [المجادلة:19]. آية> فالتناجي، يعني: الكلام الخفي بين اثنين، فالله تعالى أثبت أن موسى اسم> نجي يعني: مناجيا لله تعالى مكلما له، فدل على إثبات صفة الكلام.
فلهذه الأدلة وما يأتي بعدها، كل ذلك في إثبات أن الله متكلم، وأنه يتكلم إذا شاء، أثبت ذلك أهل السنة، وأثبتته أيضا الأشعرية، وأثبتوا أن الله متكلم، ولكن الأشعرية لما جادلوا المعتزلة اضطروا إلى أن ينكروا الكلام الحقيقي، فقالوا : هو الكلام النفسي وهو أنه كلام في النفس لا كلام حقيقي، فعيب عليهم بأن هذا نقص ولا يتم به المراد، والصحيح أن الله يتكلم كما يشاء، ولا نقول إنه يتكلم كما يتكلم المخلوقات ويحتاج إلى لسان ولهوات إلخ؛ بل منزه عن صفات النقص، وعن صفات المخلوقين، وهكذا يعتقد المسلمون.
مسألة>